تمدّد الكون: من الانفجار العظيم إلى الحاضر

في عام 1929، غيّر العالم إدوين هابل نظرتنا للكون إلى الأبد عندما اكتشف أن الكون يتمدد، وأن المجرات تبتعد عنا بسرعة تتناسب مع بعدها. هذا الاكتشاف لم يكن مجرد ملاحظة فلكية، بل كان لحظة فارقة قلبت مفاهيم الفيزياء والفلك، وأثبتت أن الكون ليس ساكنًا بل في حالة تمدد مستمر. فكيف تم اكتشاف ذلك؟ وما هي النظريات التي تدعمه؟ وهل هذا التمدد سيستمر إلى الأبد؟



ما هو تمدد الكون؟

تمدّد الكون هو العملية التي تتباعد فيها المجرات عن بعضها البعض مع مرور الزمن، وكأن نسيج الفضاء نفسه يتمدد. هذا لا يعني أن المجرات "تطير" عبر الفضاء، بل أن الفضاء ذاته يتوسع، حاملاً المجرات معه.

هذا التمدد لا يُلاحظ بشكل مباشر داخل أنظمتنا الشمسية أو حتى في مجرتنا، لكنه يظهر بوضوح عندما نرصد المجرات البعيدة.


كيف اكتشف العلماء تمدد الكون؟

بدأت القصة مع الفلكي إدوين هابل، الذي لاحظ أن ضوء المجرات البعيدة ينزاح نحو اللون الأحمر، وهي ظاهرة تُعرف بـ "الانزياح الأحمر". هذا الانزياح هو دليل على أن هذه الأجسام تبتعد عنا.

وقد طوّر هابل قانونًا بسيطًا يُعرف بـ قانون هابل:

سرعة ابتعاد المجرة = ثابت هابل × المسافة

هذا الاكتشاف دعم الفرضية التي كانت ما تزال في بداياتها حينها، وهي نظرية الانفجار العظيم، التي تقول إن الكون بدأ من نقطة متناهية الصغر والكثافة، وانفجر ليتوسع ويكوّن الزمان والمكان وكل ما نعرفه.


النسبية العامة وتفسير التمدد

شرح ألبرت أينشتاين من خلال نظرية النسبية العامة أن الكتلة والطاقة تؤثر على نسيج الزمكان، وأن الكون ليس ساكنًا بطبيعته. في البداية، ظن أينشتاين أن الكون يجب أن يكون ثابتًا، لذا أضاف ما يُعرف بـ "الثابت الكوني" لمنع تمدده أو انكماشه، لكنه بعد اكتشاف هابل قال إن ذلك "أكبر خطأ في حياته".

الآن نعلم أن النسبية العامة تتوقع تمدد الكون كحل طبيعي لمعادلاتها.


تمدد الكون المتسارع

في أواخر التسعينات، قام فريقان من العلماء (Supernova Cosmology Project وHigh-Z Supernova Search) بدراسة الانفجارات النجمية (السوبرنوفا) في المجرات البعيدة، ووجدا شيئًا غريبًا: الكون لا يتمدد فقط، بل يتمدد بشكل متسارع!

هذا الاكتشاف المفاجئ أظهر أن هناك قوة غامضة تعمل على تسريع التمدد، أُطلق عليها اسم:

الطاقة المظلمة (Dark Energy)

تشير الحسابات إلى أن الطاقة المظلمة تُشكل حوالي 68% من الكون، بينما تشكل المادة المظلمة 27%، والمادة العادية 5% فقط.


ما هي الآثار المترتبة على تمدد الكون؟

  1. المجرات البعيدة ستختفي عن أنظارنا: مع مرور الوقت، ستبتعد المجرات إلى درجة لا يمكن حتى للضوء أن يصل إلينا منها.

  2. الكون سيبرد: مع التمدد، تقل كثافة الطاقة ودرجة الحرارة، مما يؤدي إلى برودة مستمرة في الكون.

  3. مستقبل الكون مجهول: هل سيستمر التمدد إلى الأبد؟ هل سينهار الكون مرة أخرى في "انسحاق عظيم" (Big Crunch)؟ أم سيتمزق في "تمزق عظيم" (Big Rip)؟ كلها سيناريوهات مفتوحة.


هل يمكن قياس سرعة التمدد بدقة؟

ثابت هابل (Hubble Constant) يُستخدم لقياس سرعة تمدد الكون، لكنه حتى الآن لا يزال محل جدل علمي. تختلف قيمته قليلاً حسب الطريقة المستخدمة:

  • باستخدام الميكروويف الكوني (من تلسكوب بلانك): 67.4 كم/ث/ميغابارسيك

  • باستخدام السوبرنوفا والمجرات: حوالي 73 كم/ث/ميغابارسيك

هذا الفرق قد يشير إلى وجود فيزياء جديدة لم نفهمها بعد.


أمثلة لتصور تمدد الكون

  • بالون يُنفخ: تخيل نقاطًا على سطح بالون. عندما يُنفخ، تتباعد النقاط عن بعضها، دون أن تتحرك بنفسها، لأن السطح نفسه يتمدد.

  • الزبيب في العجين: عندما يختمر العجين، يتباعد الزبيب عن بعضه لأن "العجينة" (الفضاء) تتمدد.


هل يمكن للكون أن يتوقف عن التمدد؟

حسب معظم النماذج، إذا استمرت الطاقة المظلمة في التأثير بنفس الطريقة، فإن التمدد سيستمر وربما يتسارع للأبد. لكن لو تغيّرت خصائص الطاقة المظلمة، أو ظهر نوع جديد من القوى، فقد نشهد تباطؤًا أو حتى انعكاسًا في التمدد.


خاتمة

تمدّد الكون ليس مجرد حقيقة علمية، بل هو دليل حيّ على ديناميكية الكون وتطوره المستمر. إنه يفتح آفاقًا لفهم أعمق لبنية الزمكان، ولأصل كل شيء من حولنا. وبينما ندرس هذا التمدد ونرصد تأثيراته، لا نزال نواجه أسئلة كبرى حول طبيعة الطاقة المظلمة، ومصير الكون النهائي، مما يجعل تمدد الكون واحدًا من أكثر المواضيع إثارة وغموضًا في علم الفلك الحديث.


الكلمات المفتاحية

تمدّد الكون، الانفجار العظيم، إدوين هابل، قانون هابل، الانزياح الأحمر، الطاقة المظلمة، ثابت هابل، تسارع الكون، المادة المظلمة، الميكروويف الكوني، تلسكوب بلانك، السوبرنوفا، مستقبل الكون.


المصادر

  • NASA – https://www.nasa.gov

  • ESA – European Space Agency

  • HubbleSite – Science Articles

  • Astrophysical Journal – Supernova Cosmology Project

  • Planck Mission Results – ESA Archives

  • “A Brief History of Time” by Stephen Hawking

إرسال تعليق

اكتب رأيك أو أستفسارك في خانة التعليقات

أحدث أقدم

نموذج الاتصال