كوكب الزهرة: الجحيم المجاور للأرض



كوكب الزهرة هو ثاني كوكب بعدًا عن الشمس، ويُعد من أكثر الكواكب شبهًا بالأرض من حيث الحجم والتركيب. لكن، على عكس مظهره اللامع الجميل في سماء الليل، فإن الزهرة هو عالم قاسٍ لا يُحتمل، يتميز بدرجات حرارة مهولة وغلاف جوي خانق. في هذا المقال، نستعرض كوكب الزهرة من الناحية العلمية، ونتناول تاريخه، وخصائصه الجيولوجية، وظروفه المناخية، والبعثات الفضائية التي حاولت استكشافه.


لماذا سُمّي كوكب الزهرة بهذا الاسم؟

يرجع اسم "الزهرة" إلى اللغة العربية ويعني النور واللمعان، لأنه يسطع بوضوح في سماء الصباح والمساء. في اللاتينية يُعرف باسم Venus، إلهة الجمال في الأساطير الرومانية، لما يتمتع به من تألق وسطوع. لكن خلف هذا الجمال الظاهري، يخفي الزهرة أسرارًا وظروفًا لا تُصدق.


الخصائص العامة لكوكب الزهرة

  • القطر: حوالي 12,104 كم (قريب جدًا من قطر الأرض 12,742 كم)

  • المسافة عن الشمس: 108 مليون كم تقريبًا

  • اليوم الفلكي: يدور حول محوره خلال 243 يومًا أرضيًا، وهو أطول من سنته (224.7 يومًا)

  • اتجاه الدوران: عكس جميع الكواكب (من الشرق إلى الغرب)

  • السطح: مغطى بالحمم البركانية القديمة

  • الغلاف الجوي: كثيف مكون بشكل رئيسي من ثاني أكسيد الكربون


الغلاف الجوي والحرارة

يعد الغلاف الجوي للزهرة من أكثر الأغلفة تطرفًا في النظام الشمسي. يتكون بنسبة 96.5% من ثاني أكسيد الكربون و3.5% من النيتروجين، مع آثار لغازات مثل ثاني أكسيد الكبريت. السحب السميكة تحتوي على حمض الكبريتيك، مما يجعله بيئة قاتلة.

تؤدي هذه التركيبة إلى ظاهرة احتباس حراري عنيفة، حيث تُحتجز الحرارة داخل الغلاف الجوي، مما يرفع درجة حرارة السطح إلى حوالي 475 درجة مئوية، وهي كافية لصهر الرصاص. وبالتالي، يعتبر الزهرة أكثر الكواكب حرارة في النظام الشمسي، رغم أنه ليس الأقرب إلى الشمس.


سطح كوكب الزهرة



تشير بيانات البعثات الفضائية إلى أن الزهرة يتمتع بسطح مليء بالبراكين، الجبال، والهضاب. حوالي 80% من سطحه مغطى بالحمم البركانية الصلبة. وأهم المعالم الجغرافية فيه:

  • سهول لافينيا وبطانيا: مناطق واسعة من الحمم المتصلبة.

  • جبل ماكسويل: أعلى قمة على سطح الزهرة، ويبلغ ارتفاعه حوالي 11 كم.

  • تيكتونيات سطحية: تظهر تشققات وهضاب، مما يشير إلى نشاط داخلي جيولوجي.

لكن، لا يوجد ماء سائل على سطحه بسبب درجات الحرارة والضغط الشديدين.


المجال المغناطيسي

الزهرة يفتقر إلى مجال مغناطيسي داخلي مثل الأرض. هذا يعني أنه أكثر عرضة للرياح الشمسية، لكن كثافة غلافه الجوي توفر له نوعًا من الحماية. لا يزال سبب غياب المجال المغناطيسي غير مؤكد بالكامل، ويُعتقد أن السبب يعود إلى بطء دورانه الداخلي أو تكوين نواته.


تاريخ كوكب الزهرة وتطوره

تشير النماذج العلمية إلى أن الزهرة ربما كان يومًا ما شبيهًا بالأرض، وربما امتلك محيطات مائية. لكن، بسبب قربه من الشمس وازدياد حرارة غلافه الجوي، بدأت المياه تتبخر، وزاد ثاني أكسيد الكربون، مما سبّب تأثيرًا حراريًا انفجاريًا أدى إلى فقدان كامل للمياه السطحية.

هذه النظرية تُعرف باسم "نموذج الأرض التوأم الضائعة"، وتُستخدم كتحذير من إمكانية أن تسلك الأرض مسارًا مشابهًا في حال عدم ضبط التغير المناخي.


بعثات استكشاف كوكب الزهرة

1. برنامج ڤينيرا (Venera) – الاتحاد السوفييتي

كانت أول بعثات ناجحة إلى سطح الزهرة. من أبرز الإنجازات:

  • Venera 7 (1970): أول مركبة تهبط بنجاح وتنقل بيانات من سطح الزهرة.

  • Venera 9: أول من التقط صورًا من السطح.

2. ماجلان (Magellan) – ناسا

مركبة مدارية أطلقتها ناسا عام 1989، واستخدمت الرادار لرسم خريطة دقيقة لسطح الزهرة، وكشفت عن التضاريس المعقدة والأنشطة البركانية القديمة.

3. Akatsuki – اليابان

أطلقتها وكالة الفضاء اليابانية (JAXA) عام 2010، وتركّز على دراسة الغلاف الجوي وحركة السحب.

4. البعثات المستقبلية

  • VERITAS (ناسا): بعثة مخطط لها لتحديد البنية الداخلية والتاريخ الجيولوجي.

  • EnVision (وكالة الفضاء الأوروبية): ستدرس التفاعل بين السطح والغلاف الجوي.


هل توجد حياة على الزهرة؟

بالرغم من الظروف القاسية، ظهرت نظريات حديثة تتساءل عن إمكانية وجود حياة مجهرية في طبقات السحب العليا، حيث الحرارة والضغط أقل حدة. في عام 2020، أعلن فريق علمي عن اكتشاف غاز الفوسفين، الذي قد يكون مؤشرًا على وجود حياة، لكن الاكتشاف ما زال محل جدل علمي.


الزهرة والأرض: كوكبان شقيقان؟

يُطلق العلماء على الزهرة أحيانًا اسم "توأم الأرض الشرير" بسبب التشابه في الحجم والكثافة، لكن اختلاف الظروف البيئية يجعل منه نقيضًا للأرض تمامًا. هذه المقارنة توفر نموذجًا مهمًا لفهم التغير المناخي ومصير الكواكب الأخرى.


الخلاصة

كوكب الزهرة هو أحد أكثر الكواكب غموضًا وشراسة في نظامنا الشمسي. غلافه الجوي الكثيف، وحرارته القاتلة، وتاريخه الجيولوجي المعقد، يجعل منه موضوعًا غنيًا للدراسة. ورغم تحديات استكشافه، فإن العلماء لا يزالون يتطلعون لكشف أسراره، لما يحمله من دروس حول المناخ، الحياة، وتطور الكواكب.


الكلمات المفتاحية

كوكب الزهرة، الغلاف الجوي للزهرة، درجة حرارة الزهرة، توأم الأرض، استكشاف الزهرة، سطح الزهرة، الزهرة والأرض، الزهرة في النظام الشمسي، بعثات ڤينيرا، ماجلان، Akatsuki، VERITAS، EnVision، غاز الفوسفين، حمض الكبريتيك، الاحتباس الحراري، تاريخ كوكب الزهرة، الحياة على الزهرة، حقائق عن الزهرة، الكواكب الصخرية.


المصادر

  • NASA Venus Exploration: https://solarsystem.nasa.gov/planets/venus/overview/

  • وكالة الفضاء اليابانية JAXA

  • ESA – EnVision Mission

  • مجلة Nature – اكتشاف الفوسفين على الزهرة

  • "Venus Revealed" by David Harry Grinspoon

إرسال تعليق

اكتب رأيك أو أستفسارك في خانة التعليقات

أحدث أقدم

نموذج الاتصال